حول العالم
المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين
فهد عامر الأحمدي
ليس في العنوان أي خطأ إملائي لأن المكتوب على الجينات الوراثية أكثر مصداقية من التجاعيد المكتوبة على جبين الإنسان ؛ فالإنسان نتيجة نهائية لتقاطعات وراثية حصلت بين أجدادنا منذ آلاف السنين.. وما هو مكتوب على هذه الجينات يُحدد (منذ ولادتنا) صفاتنا الجسدية ومواهبنا العقلية وأمراضنا الوراثية..
صحيح أن للبيئة والتعليم والإرادة دوراً في كل هذا ؛ ولكن الدور الأسبق والأهم والأعظم يبقى للتأثير الوراثي (كونه مقرراً منذ البداية ويشكل التربة التي تبنى فوقها كافة المتغيرات التالية) ...
خذ كمثال الأطفال الذين يملكون قدرا أكبر من الجراءة والفصاحة والذكاء الاجتماعي قبل سن الحضانة. فوجود صفات كهذه في سن مبكرة يرجح ارتباطها مباشرة بالأصل الوراثي حيث لا تسمح سن كهذه بامتلاك خبرات وتجارب ذات علاقة..
وأنا شخصيا لا أستبعد أن تكون لهذه "الجراءة" و "الفصاحة" جينات خاصة قُرر مستواها منذ الولادة (بل ومنذ تخصيب البويضة في الرحم) . فكل إنسان يملك 100,000 جينة معروفة وموجودة داخل كل خليه؛ وكل جينة (أو مورثة) تتحمل مسؤولية صفة أو صفات مقابله تشكل أجسادنا وترسم شخصياتنا ..
فهناك مثلا جين مسؤول عن روح المغامرة والتهور لدى الناس (في الكرموزوم رقم 11)..
وجين آخر مسؤول عن حالة الصلع لدى الرجال (في الكرموزوم رقم
..
وجين ثالث مسؤول عن مستوى الشهية للطعام / يختلف عن الجين المسؤول عن السمنة وتخزين الشحوم (في الكرموزوم رقم 10) !!!
والعجيب أكثر ؛ أن معظم هذه الجينات مسؤولة عن أكثر من صفة ومظهر (تنقسم غالبا بين جسدية ونفسية) ؛ فالجين المسؤول مثلا عن روح المغامرة مسئول أيضا عن الأورام وتسوس الأسنان .. أما الجين المسؤول عن الصلع فله علاقة أيضا بمرض غريب يسبب الشيخوخة المبكرة يدعى ويرنر .. أما الجين المسؤول عن الشهية للطعام فمسؤول أيضا عن نمو الأعصاب والمشاكل المتعلقة بها...!!!
أما كيف عرفنا كل هذا ؟
فمن خلال "مشروع الجينوم البشري" الذي انتهى عام 2003 ويعد من أهم الانجازات العلمية في التاريخ (كونه أتاح للعلماء وضع خريطة للجينات وعلاقة كل جين بمهامه المقابلة) ..
ووضع "خريطة" كهذه يعني القدرة على تدارك الأمراض الوراثية، والتنبؤ بالمواهب العقلية، والتلاعب بالجينات المسببة للسرطان والأورام بل واختيار مواليد المستقبل من خلال التحكم بالجينات المسؤولة عن لون العينين وطبيعة الشعر وطول القامة !
ورغم أن مشروع الجينوم البشري كلف 300 مليون دولار (و13 عاما من الدراسة) إلا أن الخبرات والتقنيات المكتسبة تضمن إنجاز المشاريع المستقبلية في وقت أقصر .. وأنا شخصيا أتوقع بعد عامين أو ثلاثة وضع "خريطة" وراثية لكل إنسان على حده بسعر متاح للجميع .. وبتوفر خريطة شخصية كهذه يمكن للطبيب إخبارك بالأمراض التي ستصاب بها مستقبلا أو بمتوسط عمرك المفترض أو نوع الأبناء المتوقع (في حال كنت مترددا في الإنجاب)!!
ولأن كتابة الخريطة على الورق يتطلب 400,000 صفحة ستستلمها على قرص ليزر أو شريحة إلكترونية بحجم الإظفر .. وفي ذلك الوقت أنصحك بعدم تخزينها في كمبيوترك أو هاتفك المحمول (كونها تتضمن أسرارك وأسرار أجدادك) ويستحسن وضعها كأمانة في خزنة البنك أو زرعها تحت جلدك مباشرة !!
... وأنا شخصيا أفضل الطريقة الأخيرة حتى تأخذها معك في كل مكان ويستطيع الطبيب قراءتها بماسح ضوئي كلما طلبها منك !!