السفينة التي تبخرت في الهواء

حول العالم
السفينة التي تبخرت في الهواء
فهد عامر الأحمدي

في فبراير 1948 التقطت سفينة "بالتيمور" نداءات استغاثة من سفينة هولندية جنحت على شواطئ اندونيسيا تدعى اورانج ميدان. كانت نداءات الاستغاثة تنم عن هلع شديد وقد التقطته ايضا سفينة اخرى تدعى النجم الفضي. وحين وصلت السفينتان شاهد البحارة ما اثار فعلا الرعب في قلوبهم.. فقد كان افراد السفينة الهولندية مبعثرين في كل مكان .. كانوا موتى عن بكرة ابيهم وكانت اسنانهم منزوعة من مكانها وعيونهم تحدق في شيء مجهول وملامحهم تجمدت على فزع شديد .. لم ينج منهم احد ولم يفقد منهم احد ، كما لم تكن السفينة معطوبة او مخروقة ، كان الوضع عاديا في كل شيء مما جعل سبب الوفاة لغزا حتى اليوم !!

السلطات الهولندية تكتمت حينها على الموضوع وشطبت سجلات السفينة من ارشيف البحرية .. وبمرور الايام لم يبق من هذا الحادث سوى مبالغات البحارة وفرضيات هي للخيال اقرب من الحقيقة!!

ورغم أن هذه الحادثة ناقشها بول بيج في كتابه "تبخرت في الهواء" (1979)وبي وليم في كتابه "الوحدة 731 (1989) إلا ان أيا منهما لم يخرج بنتيجة مقنعة .. وفي هذا العام فقط توصل روي بنتون (وهو محقق بريطاني يعمل لمجلة SEA BREEZES ) لاستنتاج يبدو معقولا إلى حد كبير!!

يقول بنتون إن بداية بحثه كانت مخيبة للآمال؛ ففي البداية لم يجد أي اشارة للسفينة في سجلات البحرية الهولندية ؛ كما عجز عن تتبع أي من بحارة السفينتين المنقذتين. ولكن بعد نشر نداء في مجلة SEA BREEZES وصله ملف من المانيا كان به اكثر مما توقع . بعث الملف بروفيسور يدعى ثيودور سيردوفر وصف نفسه بأنة موسوعة فيما يخص السفن الغارقة .. وكان اثمن مافي الملف مذكرات كتبها بحار يدعي اوتو ميلك يعبر فيها عن اعتقاده بأن السفينة تحمل شحنة سامة (لم يحددها). ونظرا للظروف التي كانت سائدة في ذلك الوقت افترض بنتون ان السفينة كانت تحمل شحنة من الغاز السام اشتراها الهولنديون سرا لقمع الاضطرابات في اندونيسيا …

ففي تلك الفترة انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة ألمانيا فعاد الهولنديون لتشديد قبضتهم على مستعمراتهم السابقة في الارخبيل الاندونيسي .. وفي تلك الفترة ايضا ذهل العالم للمستوى المتقدم الذي احرزه النازيون في صنع الغازات السامة فوقعت 33 دولة ومن بينها هولندا على معاهدة جنيف لحظر صنعها واستعمالها…

ولكن الألمان لم يكونوا وحدهم من برع في هذا المجال ؛ فعلى الجانب الاخر من الكرة الارضية نجح اليابانيون في انتاج غازات لا تقل فتكا عن الغازات النازية. وكانت الوحدة 731 من الجيش الياباني تضم صفوة العلماء في كل مجال وقد انتجت آلاف الاطنان من الغازات السامة برئاسة العالم الشهير شيرو ايشاي. وقد اتخذت هذه الوحدة من منشوريا مقرا لها وأجرت آلاف التجارب المؤلمة على الاسرى الصينيين والكوريين ، ولم ينته عملها إلا بعد هزيمة اليابان واحتلالها من قبل الأمريكان...

ولكن هل قُدم العلماء اليابانيون للمحاكمة كما حصل مع نظرائهم الألمان في نوتنبرغ؟ .. الجواب هو (لا) !

بل على العكس قام الجنرال دوجلاس مكارثر (القائد الامريكي اثناء الاحتلال) بعقد صفقة تستر فيها على علماء تلك الوحدة مقابل التعاون مع الجيش الامريكي في هذه الابحاث. وحين فُضحت هذه الصفقة ادعى الامريكان انها كانت ضرورية لإرشادهم لمخازن الغازات السامة التي تركها اليابانيون في انحاء آسيا واصبحت عرضة للاتجار بها ..

تحريات المحقق البريطاني بنتون اثبتت ان الامريكان كانوا محقين في النقطة الاخيرة اذ استولى المهربون على عشرات البراميل التي تركها اليابانيون خلفهم وتاجروا بها. وهو يعتقد ان السلطات الهولندية اشترت كميات كبيرة من غاز الاعصاب ( الذي ترك في سنغافورة ) لقمع الثوار المسلمين في اندونيسيا ..

ولكن نظرا لتوقيع هولندا على معاهدة جنيف كان لابد من طريقة تتنصل بها من المسؤولية في حالة انكشاف الشحنة ؛ وهكذا تم استئجار السفينة المنكوبة بدون ان يعلم الطاقم مابداخل البراميل التي ينقلونها. ولكن يبدو ان احد البراميل بدأ بالتسرب مما أدى لانفجار البقية وبالتالي مقتل جميع الطاقم .. أما بقية الغاز فتبخرت بلا أثر ‍‍!!

فيما الاسنان المنزوعة مازالت لغزا حتى اليوم !!

مشكور

العفوووووووو